لماذا لا يتحصل طلبـــة الشعب الأدبيــــة على معدلات عليا في البكالوريا؟
في الجزائر ومع نهاية كل عام دراسيّ، وبظهور نتائج البكالويا تقوم الدولة بحملة تكريمات للمتفوقيـــن في هذه شهــــادة ، وإلى هنا و الأمر لا يدعو إلى الغرابة. ما يلفت الانتباه عدم وجود أسماء لطلبة الشعب الأدبية في قائمة المكرميــن، فجـلّ التكريمات تكون إمّا من نصيب طلبة الشعب العلمية، و البعض الآخر يذهب إلى طلبة الشعب التقنية، ما يدعو للاستغراب. مع ذلك الأمر ليــس فيه ظلــم أو إجحاف، لأنّ السبب واضح، وهو عدم حصول طلبة الشعبة الأدبية على معدلات عليا في هذه الشهـــادة، فإذا تحريــنا الدقـــــة في القول، فإنّه لا وجود طلبــــة أدبيين ممن تحصلوا على معدلات تضاهي تلك التي يتحصل عليها طلبة الشعب العلمية، أو الشعب التقنية. وهذا يجعلنا نتساءل : ما الذي يمنـــع الطالـــب الأدبــي من الحصول على معدل عالٍ في شهادة البكالوريا على غرار الطالب العلمي؟ هل الأمر يتعلق بذكاء الطالب الأدبي كما يُشاع ؟ أم أنّ هناك عوامل أخرى تقف بين الطالب الأدبي، وبين إحرازه لمرتبة من بين تلك المراتب التي يحتلها الطالب العلمي في كلّ عام؟
في الحقيقة هناك عوامل موضوعية، وأخرى ذاتية، ولكنني لا أميل إلى العوامل الموضوعية، وذلك ليس لأنّها لا تؤثر على ضعف التحصيل الدراسي، ولكن لأنّ ذكرها هنا لا يخدم رسالتي من المقال، ولأن المقال موجه للطالب الأدبي دون غيره، فسأحرص على ذكر الأسباب و العوامل التي يستطيع الطالب الأدبي التحكم فيها و تغييرها، وذلك إنْ أراد فعلا. من الأصح و الأصلح أن نناقش الأسباب المباشرة، والمتعلقة بالطالب الأدبي، والتي إنْ عرفــــها هذا الطالب، وفهـــم الكيفية التي تؤثر بها عليه، وعلى تحصيله سوف يكون مدركا للكيفية التي يمكن بها، أن يعالج ما يمكن أن يعالج، وبالتالي أن يضـــع حلـــولا و آليات تساعده على التفوق. فيما سبق قلنا أنّه هناك عوامل وأسباب، ولكن في الحقيقة هو سبب واحد، أو عامل واحد وهو العامل النفسي، والتي يؤثر بشكل كبير على التحصيل الدراسي للطالب الأدبي، وعلى كيفية تعامله مع المواد الدراسية المقررة عليه، و على الجانب النفسي عموما لهذا الطالب. يتمثل هذا العامل في:
الإحساس بالدونية، وانعدام الثقة بالنفس:
الطالب الأدبيّ لديه اعتقاد راسخ بأنّه ليس ذكيا. هذا تعبيري بعد أن جمّلته، لأنّ تفكير الطالب يذهب إلى أبعد من هذا الحد، ففي حواره مع نفسه، يمكن أن يصفها بصفات، نحو: "أنا غبي"، "أنا لستُ جيدا كفاية"، "لو كنتُ ذكيا مثل ذلك الطالب العلمي.."، وغيرها من العبارات التي يجلد بها الطالب الأدبي نفسه كلّما خلا معها. لهذا فالطالب الأدبي يؤمن إيمانا عميقا بأنّه مهما اجتهد فإنّ النتيجة ستكون نفسها، فإمّا أنه لن ينجح، وإذا نجح سيكون بمعدل ضعيف، لا يرقى إلى مستوى طلبة الشعب الأخرى.
مصدر هذا الاعتقاد:
الاعتقاد بالغباء عند الطالب الأدبي ليس وليد اليوم، ولكن له تاريخ في الجزائر هو من تاريخ الشعبة الأدبية في بلادنا، و مصدر هذا الاعتقاد هو استدلال فاسد، بٌني على مقدمة أو مسلمة خاظئة، مفادها أنّ" كلّ مَن لا يتحصل على علامات عالية في الرياضيات هو طالب غبيّ"، ليصل إلى نتيجة أنّ الطالب الأدبي غبي مادام أنّه لا يتحصل على علامات عالية في الرياضيات.كما أخبرتكم من قبل هذا الاستدلال مليئ بالمغالطات المنطقية، وكذلك المغالطات الواقعية.
المغالطات في هذا الاستدلال:
الحكم على الطالب الأدبي أنه شخص غبي يعود لعقدين من الزمن، وربما إلى أكثر من ذلك، ولن نبحث اليوم في تاريخ هذا الحكم الذي أصبح اليوم بمثابة الاعتقاد الراسخ، والذي لا تزعزه حتى علامة العشرين في مادة الرياضيات، ولن تشفع لك حتَى العلامات العالية في مواد أخرى، لأنّ الشهادة خُتمت، والطبيب قد مات.. لنعد إلى موضوعنا عن المغالطات في الاستدلال في الذي سبق ذكره.. من هذه المغالطات، نجد:
مغالطة التعميم المتسرع:
مغالطة التعميم المتسرع تحدث عندما يتم الوصول إلى نتيجة مِن خلال دليل غير كاف، وفي حالة مثال الطالب الأدبي، فقد تم تعميم حكم الغباء على جميع الطلبة الأدبيين لأنّ منهم مَن لا يتحصل على علامات عالية في مادة الرياضيات، ونعتبر هذا الاستدلال تعميما متسرعا، لأنّه لا يستند إلى دليل كافٍ، فقد أقيم في وقته على عينات صغيرة أو محدودة من الطلبة الأدبيين، بدليل أنّه هناك مِن الطلبة الأدبيين مَن يبرع في الرياضيات، ويتحصل على علامات جيدة في هذه المادة.
مغالطة السبب الزائف:
هذه المغالطة تعتمد على فكرة خلط السبب بالصدفة، و أحيانا تقوم على تفسير خاطئ للسببية، وفي أحيان أخرى يكون هناك سبب خفي غير ظاهر، ولكن صاحب الحكم لا يعلمه، ولكي أوضح الفكرة دعوني أقدم مثالا، يستشهد به الكثير في مغالطة السبب الزائف، المثال يقول أنّه وُجد ارتباط كبير بين معدلات بيع الأيسكريم، ومعدلات الجريمة، إذن فالأيسكريم يحفز على الإجرام (التفسير الصحيح لهذا الارتباط هو أنّ زيادة معدلات الحرارة يؤدي إلى زيادة معدلات بيع الأيسكريم، وزيادة معدلات الجريمة نظرا لما يصاحب الحر من قلق وتوتر). والشاهد هنا أنّه لا يوجد سبب قوي يربط بين حصول الطالب الأدبي على علامات منخفضة في مادة الرياضيات، وبين انخفاض ذكاء ذكاء هذا الطالب، فالدراسات أثبتت أنه لا يمكن حصر نسبة الذكاء في الآداء لمادة واحدة، وهي هنا مادة الرياضيات، كما تجارب أخرى تثبت أنه هناك أكثر من نوع للذكاء، فهناك الذكاء الرياضي، والذكاء اللغوي، والعاطفي...إلخ. ضف إلى هذا أنّه لا يمكن إنكار دور عوامل أخرى كالظروف الاقتصادية، والاجتماعية،طرائق التدريس، وغيرها من العوامل في التحصيل الدراسي.